قصة خالتي فاطمة
أجل، إنها هي بلا شك خالتي فاطمة، كانت عيناي تحدقان في ملامحها المنهكة، محاولتين استيعاب التحولات التي طرأت عليها. لم أكن لأخطئها أبدًا، على الرغم من أن الزمن قد نحت خطوطه القاسية على وجهها، وغير ملامحها التي عرفتها جيدًا. كانت تلك المرأة التي أمامي نسخة باهتة، لكنها حقيقية، من خالتي فاطمة التي احتلت جزءًا كبيرًا من ذاكرتي.
كانت الصدمة قاسية! معقول هذه خالتي فاطمة؟ لالا، لا يمكن! ربما امرأة تشبهها؟ هكذا حدثت نفسي في محاولة يائسة للتنصل من الواقع المؤلم. لكنني دققت في ملامحها أكثر، وعرفت أنها هي. لقد تغيرت، كبرت، ذبلت، لكنها هي. لا يمكنني أن أنسى شكلها أبدًا، تلك الابتسامة الشاحبة التي كانت تطل من خلف نظرتها المتعبة، وتلك التجاعيد التي بدأت تتشكل حول عينيها من كثرة الضحك والكدح.
فعلاً، الدنيا دوارة، ولا أحد يملك زمامها. من يصدق أن تلك المرأة المكافحة التي كانت تقوم بتنظيف المكاتب لساعات طويلة، يومًا بعد يوم، بيديها المتشققتين، لتربي أطفالها وتضمن لهم لقمة العيش الكريم، ينتهي بها المطاف إلى هذه الحال المزرية! لقد صعقت لرؤيتها وهي تستجدي المارة في ذلك الشارع الصاخب، بصوت مبحوح بالكاد يُسمع، ويد ممتدة تطلب العون.
اقتربت منها أكثر، وقلبي يخفق بعنف، تتنازعه مشاعر الحزن والأسى والخجل. ناديتها بصوت خفيض، لكنها لم تتذكرني. لم تتعرف على الصوت الذي طالما سمعته في طفولتها. كانت نظراتها شاردة، تحدق في الفراغ، وكأنها فقدت القدرة على رؤية الواقع، أو ربما لم تعد ترغب في رؤيته. كدت أبكي لرؤيتها في تلك الحال، يا ترى ماذا حدث لها؟ مؤكد أنه أمر عظيم، كارثة حلت بها، غيرت مجرى حياتها رأساً على عقب، وألقتها في هذا النفق المظلم.
في صباح ذلك اليوم من أيام الصيف، في ذلك الشارع الطويل والعريض، شارع يوسف بن تاشفين، وأمام ساحة لالة أمينة المترامية الأطراف، حيث تزدهر الحياة وتتوالى حركة الناس بلا توقف، يفترش مجموعة من المتسولين البلاط البارد، كل منهم يحمل قصته الخاصة من البؤس والألم. وغير بعيد عنهم، يتواجد بعض الباعة المتجولين، الذين يحاولون كسب قوت يومهم بجهد وعناء. هناك، على قارعة الطريق، تجلس امرأة عجوز، وحيدة ومنسية.
كانت ترتدي جلابة خضراء، بهت لونها من كثرة الغسيل والاستخدام، واتسخ ثوبها من طول الجلوس على الأرض القاسية. لقد زاغت نظراتها، وأصبحت تحدق في الفراغ بلا هدف، وكأنها فقدت كل أمل في الحياة. التصق جلد وجهها على عظمه، وأصبح يبدو عليها الهزال الشديد. تقوس ظهرها وتحدب، وانحنت قامتها، وأصبحت تبدو كظل لشخصها السابق. كانت حالتها تدمي القلب، وتثير تساؤلات لا نهاية لها عن مصير البشرية وتقلبات الأيام.
منذ عشرين سنة لم ألتق بخالتي فاطمة، كما كان يناديها الجميع في الحي. كانت تلك الفترة الزمنية الطويلة كافية لتغيير الكثير، وربما كل شيء. عندما قابلتها اليوم، مر أمامي سيناريو ذلك الماضي الذي جمعنا، كشريط سينمائي سريع، تعرض فيه مشاهد من طفولتي وشبابي، حيث كانت خالتي فاطمة جزءًا لا يتجزأ من حياتنا.
أتذكرها امرأة قوية، لا تعرف الكلل ولا الملل. كانت تعمل بجد لتوفير لقمة العيش لأطفالها، الذين كانت تحبهم بجنون. كانت تملك روحًا مرحة، وضحكة رنانة تملأ المكان بهجة.
كيف انقلبت الأمور بهذا الشكل؟ ما الذي أوصلها إلى هذه الحال المزرية؟ هذه الأسئلة ترهقني، وتثقل كاهلي، وتجعلني أتوق إلى معرفة الحقيقة.