recent
أخبار ساخنة

وهج الحياة: قصة قصيرة

الصفحة الرئيسية

وهج الحياة 


دق جرس المنبه، استيقظت أعدت الفطور، ارتشفت بضع رشفات من فنجان القهوة وقضمت بضع قضمات من الخبز والجبن، تأهبت للخروج، مشت بخفة، وصلت إلى محطة الأتوبيس، أوف لقد ذهبت الحافلة!


امرأة ذاهبة إلى العمل


جاءت أخرى، خرج السائق ثم عاد بعد قليل يحمل معه كوبا من القهوة ،اقتعد كرسيه يبيع التذاكر يقبض النقود ،يعيد الباقي ،يتبادل أطراف الحديث مع زميله ثم ينطلق وبعدها يتوقف وبعدها يستأنف. . 

تصل إلى المدينة ،تتجه مسرعة نحو محطة سيارات الأجرة،أوف السيارة تنطلق،تقل أخرى، تمر الدقائق لا ركاب بعد ،الحمد لله ها قد جاءت امرأة ،تمر دقائق ،أوشكت المقاعد أن تملأ ،مرت دقائق أخرى. .
 

أخيرا تنطلق السيارة ،بعد لحظات تتوقف في محطة البنزين ثم تتابع سيرها..تتنفس الصعداء ،لقد وصلت أخيرا..
من فضلك توقف!

تنزل من التاكسي، تترجل نحو مقر عملها لكن الباب موصد، تدق الباب، تنتظر، تدق ثانية، تدق بحدة، يفتح البواب -رجل ضخم- يحدق بها وشرار يتطاير من عينيه وهو يهمهم..، 

تلتحق بفصلها مهرولة 🏃‍♀️ فإذا بها تجد المديرة أمام بابه فتسألها عن سبب التأخير رغم أنها تعلم جيدا الجواب..
تتحجج بصعوبة التنقل 🚗 لكن الأخرى لم تقتنع فتقول لها: عليك النهوض باكرا فكلنا يحب النوم 😪 !
تلج القسم، أخيرا ستبدأ في تقديم الحصة الأولى! الحمد لله🙏

 
وقعت كلمات المديرة على مسمعيها كالصاعقة أو أشبه بصفعة باردة. لم تجد لها جوابًا شافيا. فلم يكن هناك ما يُقال، وكل كلمة ستنطق بها الآن لن يكون لها نفعا لأنها تعي جيدا أن الحوار معها عقيم.

أدارت ظهرها ببطء شديد، وكأنها تحمل هموم العالم كله على كتفيها. خطت خطواتها المتثاقلة نحو باب الفصل الذي كان مفتوحًا على مصراعيه، وكأنها تجر قدميها.



عندما ولجت القسم، كان الضجيج يعمّ أرجاء الفصل الواسع المكتظ. الأصوات مرتفعة، بل وشجار قوي من إحدى الزوايا سرعان ما تحول إلى دفع بالأيدي، وصيحات عالية من أخرى. 

التفتت الأنظار نحوها لثوانٍ معدودة مع ترحيب حماسي، ثم ما لبثت أن عادت لتنغمس في فوضاها الخاصة.



كان القسم نفسه قاعة كبيرة، غريبة الشكل، محاطة بنوافذ زجاجية ضخمة من الجهتين الأمامية والخلفية وبدون ستائر، وكأنها بنك صغير قديم مهجور. الشمس كانت تتسرب منها بقسوة، تكشف أدق التفاصيل. البناء كان قديمًا جدًا، عتيقًا ومعزولًا وكأنه قلعة، مما زاد من شعورها بالانفصال. أما الباب، فلم يكن ليُقفل أبدًا، تاركًا المجال لأي أحد للدخول والخروج دون إذن.



بدأت على الفور في تقديم الحصة الأولى، لكن صوتها كان أجش قليلاً، وكلماتها تخرج بصعوبة، وكأنها تدفع كل حرف بقوة، وتصارع الضجيج المحيط لكي يصل صوتها. لم تكن خبرتها القليلة كافية لترويض هذا الطوفان البشري. كانت كل محاولة منها لجذب انتباههم تبوء بالفشل، وتتلاشى في ضجيج الصفوف الخلفية حيث بدأت بعض حالات الشغب بالظهور بوضوح. شعرت بأن الزمام ينفلت من بين يديها شيئاً فشيئاً، كانت كل ضحكة، كل همسة، وكل حركة لا مبالية من التلاميذ، وكأنها وخزات صغيرة تزيد من شعورها بالعجز والإحباط.



تفاقمت الفوضى. وصلت إلى نقطة لم تعد فيها قادرة على التحمل. فجأة، وبدون تفكير، انطلقت صرخة مدوية من أعماق صدرها، تجاوزت ضجيج الصف، 'اصمتوا! توقفوا حالاً!' صدمت الصرخة التلاميذ للحظة. خيم هدوء نسبي، لكنه كان هدوءًا مشوبًا بالترقب والتمرد الخفي. راحت تحدق في المشاغبين، تشير بإصبعها نحو بضعة تلاميذ في الصفوف الخلفية. 

'أنت! وأنت! وأنت، قوموا من أماكنكم حالا! أنتم معاقبون!'



لبعض الوقت، استجاب الأطفال على مضض. توقفت الأصوات، لكن الأعين الصغيرة ظلت تحدق بها بفضول، وكأنها تنتظر الخطوة التالية. لم يلبث هذا الهدوء أن انهار. فبينما كانت تحاول شرح نقطة على السبورة، بدأت الهمسات تعود، ثم الدفع الخفيف بين المقاعد، وما لبثت الضحكات الخافتة أن شقت طريقها من جديد. 

استمرت الحياة في القسم كما اعتادت، وتوالت محاولاتها اليائسة لجذب انتباههم، كل منها تتلاشى في زحمة الفوضى المتجددة. لم يتغير شيء. ظلت الفوضى المتوقدة تملأ المكان، كوهج حار يلف كل محاولة منها، يستهلك طاقتها، ويتركها في خضم صراع لا نهاية له. 

كل دقيقة تمر كانت أشبه بساعة، وكل كلمة تنطقها كانت كقطرة ماء على صخرة صلدة. لم يكن هناك بصيص أمل في استعادة السيطرة الكاملة على هذا "الوهج"، بل كانت تستمر في الدفع، تواجه اليوم بتحدياته المتوهجة، فقط لأن عليها أن تفعل.



وفي خضم هذا الوهج المستمر، بدأت فكرة واحدة تتسلل إلى رأسها، وتتنامى مع كل لحظة ضجيج وشغب تسيطر عليها: الهروب. لم تعد ترى أي حل آخر لهذا الوضع سوى الانتقال إلى مكان آخر، إلى مدرسة مختلفة، أو حتى مهنة مغايرة، بدا لها الخيار الوحيد. 

شعرت بأن كل هذا الصراع، كل هذه المعاناة، لا طائل من ورائه، لم تكن هناك بارقة أمل في أن تتحسن الأمور هنا، كان الهروب هو السبيل الوحيد لإخماد هذا الوهج الذي يستهلكها.



لكن في عالمها البسيط، حيث الخيارات محدودة والظروف أقوى من الأمنيات، كانت تدرك أن الهروب نفسه هو تحدٍ آخر لا يقل صعوبة. 

ستظل محاصرة هنا، تواجه نفس الجدران الزجاجية، نفس الضجيج والفوضى. ستستمر في الجري، في مواجهة المصاعب والعراقيل، يومًا بعد يوم. 

سيظل "وهج الحياة" متقدًا حولها، يدفعها للاستمرار في صراع لا ينتهي، لأن هذا هو واقعها، وهي مجبرة على مواجهته، وفعل ما بوسعها في كل يوم، حتى وإن كانت محاولاتها تشبه تماما ذلك الأحمق الذي يصب الماء على الرمال.. 
google-playkhamsatmostaqltradent